سورة لقمان - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه أباءنا} قال الله تعالى: {أولو كان الشيطان يدعوهم} معناه أفيتبعونهم وإن كان الشيطان يدعوهم {إلى عذاب السعير} قوله عز وجل: {ومن يسلم وجهه إلى الله} أي يخلص لله دينه ويفوض إليه أمره {وهو محسن} أي في عمله {فقد استمسك بالعروة الوثقى} أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخلف عهده ولا يخاف انقطاعه ويرتقي بسببه إلى أعلى المراتب والغايات {وإلى الله عاقبة الأمور} أي مصير جميع الأشياء إليه {ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور} أي لا يخفى عليه سرهم وعلانيتهم. قوله تعالى: {نمتعهم قليلاً} أي نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا إلى انقضاء آجالهم {ثم نضطرهم} أي نلجئهم ونردهم {إلى عذاب غليظ} إلى النار في الآخرة {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد الله بل أكثرهم لا يعلمون لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد} تقدم تفسيره. قوله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} قال المفسرون لما نزلت بمكة {ويسألونك عن الروح} الآية وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود وقالوا «يا محمد بلغنا أنك تقول: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} أتعنينا أم قومك فقال عليه الصلاة والسلام كلا قد عنيت قالوا ألست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة فيها علم كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي في علم الله قليل وقد أتاكم الله بما إن علمتم به انتفعتم به قالوا كيف تزعم هذا وأنت تقول: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} فكيف يجتمع علم قليل مع خير كثير» فأنزل الله هذه الآية فعلى هذا تكون هذه الآية مدنية وقيل إن اليهود أمروا وفد قريش أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولوا له ذلك وهو بمكة وقيل إن المشركين قالوا إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع فأنزل الله تعالى: {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} أي بريت أقلاماً وقيل بعدد كل شجرة قلم {والبحر يمده} أي يزيده وينصب إليه {من بعده سبعة أبحر} أي مداداً والخلائق يكتبون به كلام الله {ما نفدت كلمات الله} لأنها لا نهاية لها {إن الله عزيز حكيم}.
قوله تعالى: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} أي إلا كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء {إن الله سميع} أي لأقوالكم {بصير} بأعمالكم {ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق} يعني ذلك الذي هو قادر على هذه الأشياء التي ذكرت هو الحق المستحق للعبادة {وأن ما يدعون من دونه الباطل} يعني لا يستحق العبادة {وأن الله هو العلي} يعني في صفاته له الصفات العليا والأسماء الحسنى {الكبير} في ذاته أنه أكبر من كل كبير.
قوله تعالى: {ألم تر أن الفلك} يعني السفن والمراكب {تجري في البحر بنعمة الله} يعني ذلك من نعمة الله عليكم {فيريكم من آياته} يعني من عجائب صنائعه {إن في ذلك لآيات لكل صبار} يعين على ما أمر الله {شكور} لإنعامه {وإذا غشيهم موج كالضلل} يعني كالجبال وقيل كالسحاب شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها {دعو الله مخلصين له الدين} معناه أن الإنسان إذا وقع في شدة ابتهل إلى الله بالدعاء وترك كل من عداه ونسي جميع ما سواه فاذا نجا من تلك الشدة فمنهم من يبقى على تلك الحالة وهو المقتصد وهو قوله تعالى: {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد} يعني عدل موفٍ في البر بما عاهد عليه الله في البحر من التوحيد والثبوت على الإيمان وقيل نزلت في عكرمة بن أبي جهل وذلك أنه هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة: لئن أنجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه سلم ولأضعن يده في يدي فسكت الريح ورجع عكرمة إلى مكة وأسلم وحسن إسلامه ومنهم من لم يوف بما عاهد وهو المراد بقوله: {وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار} يعني غدار {كفور} يعني جحود لأنعمنا عليه.


قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} يعني خافوا ربكم {وأخشوا} يعني وخافوا {يوماً لا يجزي} يعني لا يقضي ولا يغني {والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً} قيل معنى الآية إن الله ذكر شخصين في غاية الشفقة والمحبة وهما الوالد والولد فنبه بالأعلى على الأدنى وبالأدنى على الأعلى فالوالد يجزي عن ولده لكمال شفقته عليه والولد يجزي عن والده لما له من حق التربية وغيرها فإذا كان يوم القيامة فكل إنسان يقول نفسي ولا يهتم بقريب ولا بعيد كما قال ابن عباس كل امرئ تهمه نفسه {إن وعد الله حق} قيل إنه تحقيق اليوم معناه اخشوا يوماً هذا شأنه وهو كائن بوعد الله به ووعده حق وقيل الآية تحقيق بعدم الجزاء يعني لا يجزي والد عن ولده في ذلك اليوم والقول الأول أحسن وأظهر {فلا تغرنكم الحياة الدنيا} يعني لأنها فانية {ولا يغرنكم بالله الغرور} يعني الشيطان: قال سعيد بن جبير يعمل بالمعاصي ويتمنى المغفرة. قوله تعالى: {إن الله عنده علم الساعة} الآية نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال إن أرضنا أجدبت فقل لي متى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فمتى تلد ولقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فأنزل الله هذه الآية.
(ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمس {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير}» ومعنى الآية إن الله عنده علم الساعة فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة في أي سنة أو أي شهر أو أي يوم ليلاً أو نهاراً {وينزل الغيث} فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث ليلاً أو نهاراً إلا الله {ويعلم ما في الأرحام} أذكر أم أنثى أحمر أم أسود تام الخلقة أم ناقص {وما تدري نفس ماذا تكسب غداً} من خير أو شر {وما تدري نفس بأي أرض تموت} يعني ليس أحد من الناس يعلم أين مضجعه من الأرض في بر أو بحر في سهل أو جبل {إن الله عليم} يعني بهذه الأشياء وبغيرها {خبير} أي ببواطن الأشياء كلها ليس علمه محيطاً بالظاهر فقط بل علمه محيط بالظاهر والباطن قال ابن عباس: هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مصطفى فمن ادعى أنه يعلم شيئاً من هذه الأمور فإنه كفر بالقرآن لأنه خالفه والله تعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

1 | 2